أوسلو نيوز – متابعات:
بعد ليلة عاصفة تقدم فيها الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان على منافسه كليجدار أوغلو لكنه فشل في تحقيق الفوز في الجولة الأولى، تتجه الإنتخابات الرئاسية التركية إلى جولة إعادة.
ولم ينجح أي من المرشحين للرئاسة في تجاوز عتبة 50 في المئة المطلوبة للفوز بالسباق.
وبدا أردوغان منتصرا عندما ظهر أمام حشد من المؤيدين بعد منتصف الليل بقليل، ليعلن إستعداده لقيادة الأمة لمدة 5 سنوات أخرى.
وقال الرئيس البالغ من العمر 69 عاماً وسط هتافات كبيرة: “أنا أؤمن بشدة بأننا سنواصل خدمة شعبنا في السنوات الخمس المقبلة”.
وأظهرت تقديرات غير نهائية أن أردوغان حصل على 49.49 في المئة من الأصوات، وجاء زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو في المرتبة الثانية مع نسبة 44.79 في المئة.
موعد جولة الإعادة
من المفترض أن تجري أول جولة إعادة تصويت في الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/ أيار.
وكان معسكر كيليجدار أوغلو قد اعترض في البداية على نتائج أولية لفرز الأصوات وادعى أنه متقدم.
لكن المنافس البالغ من العمر 74 عاماً بدا يائساً بعض الشيء عندما واجه الصحفيين في وقت مبكر من يوم الإثنين واعترف بأن جولة الإعادة تبدو حتمية.
وقال: “إذا أعلنت أمتنا جولة إعادة، فسننتصر بالتأكيد في الجولة الثانية”. وأضاف: “إرادة التغيير في المجتمع أكبر من 50 في المئة”.
توتر في إسطنبول
كانت ليلة طويلة إتسمت بالتوتر، ولم يخل صباح اليوم أيضا من ذلك التوتر، نظرا لعدم حسم نتيجة الإنتخابات التي أراد الناخبون عموما حسمها في الجولة الأولى.
وستدخل تركيا إسبوعين آخرين من أجواء التوتر، إستعدادا لجولة إعادة لم يرغب أحد في خوضها، لا سيما أنصار المعارضة.
إنهم يعانون من إحباط، نظرا لأن إستطلاعات الرأي أبرزت قدرة مرشح المعارضة، كليجدار أوغلو، على فوزه المريح بانتخابات الرئاسة في الجولة الأولى.
كما أظهر إستطلاعان إمكانية حصوله على ما يزيد على 50 في المائة من أصوات الناخبين، لذا كانت توقعات فوزه كبيرة.
وقد شعر أنصار المعارضة أنهم في مركز قوة، ولذلك كانت نتيجة الجولة الأولى للانتخابات جديدة بالنسبة لهم.
نتائج الإنتخابات البرلمانية
لم يصوت الناخبون الأتراك لاختيار رئيس جديد فحسب، بل صوتوا أيضاً لشغل 600 مقعد في البرلمان.
وحصل حزب أردوغان، العدالة والتنمية، على أكبر عدد من الأصوات، لكنه تعثر أكثر من زعيمه.
فقد حصل الحزب على 35 في المئة من الأصوات، مع فرز أكثر من 96 في المئة من الأصوات، وفقاً لوكالة الأناضول الحكومية.
وعلى ضوء النتائج الواردة، يبدو أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على 267 نائباً، مما يفقده 28 مقعداً في البرلمان.
لكن من خلال تحالفه مع ثلاثة أحزاب أخرى، من المتوقع أن يفوز بـ 56 مقعداً. ومن شأن ذلك أن يمنح التحالف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية 323 مقعداً في البرلمان.
وكان التحالف فاز بـ 344 مقعداً في الإنتخابات الأخيرة في العام 2018.
وكانت إستطلاعات الرأي قبل الإنتخابات، قد أشارت إلى وجود منافسة شديدة لكنها أعطت كليجدار أوغلو، الذي يرأس تحالفاً من 6 أحزاب، تقدماً طفيفاً، وأظهر إستطلاعان للرأي يوم الجمعة أنه سيحصل على أكثر من 50 في المئة من الأصوات.
ومن جهته، قال المرشح الثالث في الإنتخابات الرئاسية، سنان أوغان، الذي حصل على حوالي 5٪ من الأصوات وفقاً لوكالتي الأنباء التركيتين الأناضول وأنكا، إن محاولته للرئاسة غيرت نتيجة التصويت.
وإذا أصبحت الجولة الثانية رسمية، فلن يكون أوغان مرشحاً وقراره بشأن من المرشح الذي سيطلب من مؤيديه دعمه قد يحدث فرقاً كبيراً، وقال إنه سيقرر ذلك في غضون أيام قليلة.
وقال مسؤول كبير في المعارضة لرويترز، إن حزب أردوغان كان يثير إعتراضات على بعض الأصوات، مما أخر ظهور النتائج الكاملة. وقال: “حتى الآن يقومون بكل ما في وسعهم لتأخير العملية”.
ونقل بول كيربي، محرر بي بي سي الرقمي لأوروبا، عن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو قوله إن 7 ملايين من الأصوات تم حجبها عن عملية الفرز، بسبب هذه الاعتراضات، وقد جاءت جميعاً في معاقل المعارضة. مضيفاً أنه تكتيك استخدمه حزب أردوغان في آخر سبعة أو ثمانية إنتخابات، على حد زعمه.
ومن جهته، علق كليجدار أوغلو على ما يحصل قائلاً: “إنكم تعيقون إرادة الشعب”، ورفع صوته في خطاب مقتضب ولكن قوي. ولم يقل منافس إردوغان من كان يحاول التلاعب بنتيجة التصويت، لكن من الواضح أنه كان يقصد حزب العدالة والتنمية.
ودعا متطوعي أحزاب المعارضة والمسؤولين مرة أخرى إلى مواصلة مراقبة الفرز، قائلاً: “نحن هنا حتى يتم احتساب كل صوت”.
الشرق أم الغرب: إلى أي طريق تتجه تركيا؟
على مدار مئات السنين، سيطرت الإمبراطورية العثمانية على ما يضم حاليا نحو 50 دولة تتمتع بسيادة.
وعلى الرغم من ذلك، تراجعت الإمبراطورية التي كانت قوية يوما ما، بدءا من القرن الثامن عشر، إلى حالة تدهور مستمر طويل الأمد، وبدأت أجيال من السلاطين العثمانيين تدريجيا في إستيعاب نقاط ضعف دولتهم مقارنة بأوروبا، فبدأوا إستعارة فكرة المؤسسات والقوانين والتقاليد من القوى العظمى في أوروبا من أجل إحياء الإمبراطورية العثمانية.
وعزز مصطفى كمال أتاتورك، الذي أسس تركيا الحديثة في عام 1923 بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية، هذا النموذج من خلال إعادة تشكيل الدولة على صورته كمجتمع علماني.
واستنسخ أتاتورك نموذج الدول الأوروبية، القوى العالمية في فترة ما بين الحربين، في حكم البلاد، بغية وضع تركيا على مسار من شأنه في النهاية إحياء مكانة الدولة ومجدها.
وهنا يأتي دور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي سعى منذ عام 2003 إلى إعادة تشكيل البلاد على صورته كمحافظ إجتماعيا، وكإسلامي سياسيا، وكداعم للشرق الأوسط، بهدف إحياء مكانة تركيا كقوة عظمى.
وعلى الرغم من ذلك لا يعد سعيه لتحقيق المجد التركي أمرا غير المعتاد، فهو يتفق، في نواح كثيرة، مع السياسات الطويلة الأمد التي شكلت قادة بلاده السابقين، من السلاطين العثمانيين الراحلين حتى أتاتورك.
بيد أن مسار أردوغان يختلف عن سابقيه، ففي الوقت الذي ربط فيه آخرون تركيا بدول الغرب واستنسخوا أوروبا لاستعادة نفوذ البلاد على الساحة العالمية، اختار أردوغان نموذجا غير تقليدي: هدفه هو جعل تركيا قوية قائمة بذاتها أولا، في منطقة الشرق الأوسط، ثم على الساحة العالمية.
ثم في النهاية، تركيا أوروبية وشرق أوسطية، وأعتقد أنها ستستقر في النهاية في مكانة بين رؤى أتاتورك وأردوغان، وتتبنى هويات غير حصرية: أوروبية وشرق أوسطية، علمانية وإسلامية، الغرب والشرق.
المصدر: BBC عربي